الجمعة، 14 ديسمبر 2018

درس مطالعة: (أسطورةُ نرسيس)، مِن كتاب: (أساطيرُ اليونان، عماد حاتم)، 2018-2019




{ أستاذة العربيّة: فوزيّة الشّطّي { درس مطالعة { 2اق1 + 2اق2 + 2ع1 {
{ معهد 'المنتزه' بالكبّاريّة { 2018-2019 {
{v أسْطورةُ نَرسِيس v{  
تَقتصُّ 'أفرُوديتا'، إلهةُ الحبِّ الشّقراءُ، مِـمَّنْ يرفضُ هِباتِها ويَجحدُ قدرتَها. فهكذا عاقبتْ ابنَ 'كِفيسيُوس' إلهِ الأنهارِ  و'لاڤريونا' الجِنّيّةِ، 'نرسِيس' الجميلَ الباردَ القلبِ المغرورَ. لقدْ كان مشغوفًا بنفسِه لا يجدُ سِواها جديرا بالاهتمام.
شاهدتْه الجنّيّةُ 'إيخا'، ربّةُ الصّدَى، مرّةً وقد تاهَ في الغابة أثناءَ الصّيد. لكنّها لم تستطعْ مبادرَتَه الحديثَ. فقد عاقبتْها 'هيرا' [الإلهةُ حاميةُ قداسةِ الرّباط الزّوِجيّ وزوجةُ 'زيوس' سيّدِ الأولمب وزعيمِ جميع الآلهة] بالصّمتِ الأبديِّ. فكانتْ تُجيبُ عنِ الأسئلةِ بترديدِ مقاطعِها الأخيرة فقط. ومِن المخبأ الثّاوِي في أعماقِ الأجَـمَةِ الكثيفة، راحتْ ربّةُ الصّدَى ترقبُ الشّابَّ الجميل الرّشيق وترمقُه بنظراتِ الافتتان والحبّ. أمّا 'نرسيس' فردّد نظرَه فيما حولَه حائرا في أيِّ اتّجاه يسلكُ. فصاح: «أيْ، مَن هنا؟»
أجابتْ ربّةُ الصّدى: «هنا».
أدارَ 'نرسيس' نظراتِه فيما حولَه، نظراتٍ مذهولةً. فلمْ تقعْ عيناه على أحد. وقد أدهشَه ذلك. فصاح:
-   إلى هنا. أسرِعْ إليَّ!
وأجابتْ ربّةُ الصّدَى: «إليَّ
وهَرعتْ مِن أعماقِ الغابة باسطةً ذراعيْها. لكنّ الشّابَّ الفاتنَ صدّها عنه حانِقا مغرورا. وابتعدَ مُسرعا ليختفيَ بين طيّاتِ الغابةِ الكثيفةِ. واختفتِ الجنّيّةُ التّاعسةُ المنبوذةُ في ظلام الغابة. إنّها تُعاني لذَعاتِ حبِّها لـ'نرسيس' وتحتجبُ عن الظّهورِ أمام أيِّ مخلوقٍ قانعةً بالرّدِّ على أيِّ صوتٍ بصوتِها المكدُود.
أمّا 'نرسيس' فظلّ كعادتِه مغرورا، عابدا ذاتَه، مُوصِدا قلبَه أمام همساتِ الحبِّ. فحمل غرورُه التّعاسةَ إلى قلوبِ الكثيرات مِن الجنّيّات وعرائسِ الغابات إلى أن صاحتْ به إحداهنّ:
-   فَلْيحرقِ الحبُّ قلبَك، يا 'نرسيس'. ولْتكنْ منبوذًا مِـمَّنْ تقعُ في هواه.
وكان ما تَـمنّتْه عروسُ الغابة. إذْ حلَّ غضبُ 'أفروديتا' على 'نرسيس' لرفضِه هِباتِها. فعاقبتْه. فقد ذهب مرّةً أثناءَ الصّيد إلى أحدِ الجداولِ ليُطفئَ ظمأَه بالماءِ البارد. كانتْ مياهُ الجدولِ رقراقةً شفّافة تنعكسُ في صفحاتها الصّافية السّماءُ الزّرقاءُ وأشجارُ السّروِ الباسقةُ والشّجيراتُ النّاميةُ فوق الشّاطئ. فلم يكنْ أيُّ راعٍ أو عنزةٍ برّيّة قد مسَّ تلكَ المياهَ كما لـمَّا يحْملِ النّسيمُ إليها وُريقاتِ الزّهور النّضيرة. وانحنَى 'نرسيس' على الجدول مُعتمِدا بذراعيْه على حجرٍ نافر من الماءِ. فتلألأتْ صورتُه في الماء بكلِّ جمالها وبهائها. إذّاكَ حلَّ عليه عقابُ 'أفروديتا'. ها هو يتأمّلُ صورتَه بافتتانٍ عجيب، ويُحسُّ بحبٍّ جارف يجتاحُ فؤادَه. فيرسلُ إلى صورتِه نظراتٍ متيَّمة، ويُومئُ إليها، ويفتح لها ذراعيْه، ويدعوها إليه. ثمّ يَـميل على صفحةِ الماء ليُقبّلَها. فتتلقّاهُ صفحةُ الماءِ الباردِ الصّافيةُ. ويَذهلُ 'نرسيس' عمّا يحيط به. فهو لا يَرِيمُ بنظرِه عن الصّورةِ الآسرة ولا يَـحِيدُ عن الجدول. لقد عافتْ نفسُه الطّعامَ والشّرابَ والنّومَ. فصاح أخيرا وقد هدَّه القنوطُ:
-   آه، مَن ذا الّذي يُعانِي ما أُعانيه؟! إنّ ما يفصلُني عنكِ ليست الجبالُ ولا البحارُ بل صفحةٌ مِن الماء. ومع هذا أنا عاجزٌ عن لُقياك. هيّا، اُخرجِي إليَّ مِن الماء!
ويَغرقُ الفتى في تفكيره وهو مشدودٌ إلى الصّورة. ثمّ تُخامرُه أخيرا فكرةٌ مُخيفة. فيهمسُ وقد انحنى على الماء:
-   ويْلاه، لَعَلِّي وقعتُ في هوَى نفسي! فأنتِ أنا! إنّني أُحبُّ نفسي وأُحسُّ أنّه لم يبقَ لي في الحياة إلاّ القليلُ. وما إنْ تتمّ أيّامي حتّى أذويَ وأنتقلَ إلى مملكةِ الأشباح المظلِمة. بيدَ أنّ الموتَ لا يُخيفني. فهو يحملُ لي نهايةَ ما أنا فيه مِن عذاب.
وتخونُ 'نرسيس' قُواه. فيشحَبُ لونُه. يُحسُّ بدنوِّ ساعتِه. لكنّه، رغم ذلك، لا يكِلُّ مِن النّظر إلى صورتِه ولا يستطيعُ عنها فَكاكا. ويبكِي الفتَى. فتتساقطُ دموعُه في مياهِ الجدولِ الصّافيةِ. وتتسابقُ الحلقاتُ فوق صفحةِ الماء. ويضطربُ جمالُ الصّورة. فيصيحُ 'نرسيس' بخوف:
-   وَاهٍ! أين أنتِ؟ عُودِي. قِفِي. لا تتركينِي. فكمْ يُخيفني الهجرُ! مَكّنيني ولو مِن النّظرِ إليكِ.
ويهدأُ الماءُ مِن جديد. ومِن جديد تعودُ الصّورةُ. فيحدّقُ فيها 'نرسيس' غيرَ كليلِ الطّرف. إنّه يتلاشَى كقطراتِ النّدى فوق زهورٍ أنفذتِ الشّمسُ فيها أشعّتَها الـمُحرِقةَ. وتشهدُ الجنّيّةُ التّاعسةُ عذابَ 'نرسيس'. فتذوبُ ألما ولوعةً لعذابه لأنّها ما تزالُ على حبِّه. ويصيحُ الفتَى: «أوّاه! يا لِأحزاني
فتُجيبُ ربّةُ الصّدى: «أحزاني
ويهمِسُ 'نرسيس' أخيرا بصوتٍ واهن وهو ينظرُ إلى صورتِه الجميلة: «الوداع».
ومِن جديدٍ يتردّدُ صوتُ ربّة الصّدى واهيا لا يكادُ يُسمَع: «الوداع».
مال 'نرسيس' برأسِه على أعشابِ الشّاطئ الخضراء. وغشّتْ عينيْه ظلمةُ الموت. لقد فارق َالحياةَ. فبكتْه جنّيّاتُ الغابةِ. وذرفتْ دموعَها ربّةُ الصّدى. وحفرتِ الجنّيّاتُ ضريحا ليدفنَّه فيه. لكنّهنّ، عندما جئْنَ ليأخذنَ جثّتَه، لم يَـجِدْنَها. ففي ذلك المكانِ حيث مال رأسُ 'نرسيس'، نَـمَتْ زهرةٌ شذيّةٌ: إنّها زهرةُ النّرجس، زهرةُ الموت.
{ د. عماد حاتم { أساطيرُ اليونانِ { صص: 105-108 {
{ دار الشّرق العربيّ { ط: 2 { بيروت، 1994 {
v أجِبْ عن الأسئلةِ التّالية كتابيّا:
1-             ماذا تعرفُ عن الأساطِير [العربيّة، اليونانيّة، الرّومانيّة، الفرعونيّة، العراقيّة...]؟
2-             إلى مَن ترمزُ شخصيّاتُ هذه الأسطورة؟
3-             تُفسّرُ هذه الأسطورةُ أصلَ بعضِ الظّواهر الطّبيعيّة. بيّنْ ذلك.
4-             لِـمَ جاءتْ نهايةُ الأحداثِ مأساويّةً؟
5-             صُغْ موقفَك النّقديَّ مِن هذا النّصِّ مُعلِّلا إيّاه.
{v{v{




نسخةُ PDF قابلة للتّحميل
https://files.acrobat.com/a/preview/3bc160c6-3ca2-4003-9ec3-92cbfb6b9b2e

ليست هناك تعليقات: