الخميس، 8 يناير 2015

شرح النّصّ: تمهيد المحور 2: (التّجديدُ في الشّعر العربيّ في ق2هـ)، 2014-2015




  أستاذة العربيّة: فوزيّة الشّطّي    شرح النّصّ    التّمهيد للمحور 2  

  التّجديدُ في الشّعر العربيّ في ق2ه    معهد المنتزه    2ث   2023-2024   

1-         الإطارُ التّاريخيّ:

القرنُ الثّاني للهجرة (ق2هـ) يوافق القرنَ الثّامن للميلاد (ق8م). ويندرجُ ضمنَ عصر الخلافة العبّاسيّة الّتي امتدّتْ مِن: 132ه/750م إلى 656ه/1258م، أي إنّها استمرّتْ 524 عاما. تميّز المجتمعُ العبّاسيُّ بانفتاحٍ كبيرٍ على الأممِ الأجنبيّة كالفارسيّة والتّركيّة والرّومانيّة وغيرها وبتعدُّدٍ دينيّ ومذهبيّ ولغويّ وعرقيّ. كان ذلك بسببِ التّحالفِ السّياسيّ بين بني العبّاس وغيرِ العرب للإطاحة بالدّولةِ الأمويّة أوّلا وبفضلِ الفتوحاتِ الإسلاميّةِ الّتي وسّعتِ الرّقعةَ الجغرافيّةَ والبشريّةَ لهذه الدّولةِ ثانيا. فكانَ التّنوّعُ الحضاريُّ في أجلَى مظاهره، وكانت الصّراعاتُ على أشُدِّهَا. لذا تُعتبَرُ الخلافةُ العبّاسيّةُ الفترةَ الزّمنيّةَ الأبرزَ مِنْ حيثُ تطوّرُ الإبداعِ شعرا ونثرا... وتقدُّمُ العلومِ طِبّا وهندسةً وفَلَكا وحسابا وفلسفة... وازدهارُ الفنّ الإسلاميّ خطّا وعِمارةً وزخرفةً... 

اِستطاعتْ قصيدةُ (ق2ه) أنْ تواكبَ الكثيرَ مِن مظاهرِ الحياةِ الجديدة وأنْ تعكسَ جوانبَ عِدّةً مِن التّغيير الاجتماعيّ والسّياسيّ والاقتصاديّ والعقائديّ والأخلاقيّ والفكريّ في مجتمعِها. فسُمّي الشّعرُ "مُـجَدِّدا" أو "مُـحْدَثا" مُقارنةً له بالنّموذجِ الشّعريّ الجاهليّ. وسُـمِّيَ الشّعراءُ غيرُ العرب بـ "الـمُوَلَّدِينَ" أو "الـمُوَلِّدِينَ" لسببيْن على الأقلّ: إمّا لأنّهم نشأُوا في ديارِ العرب وأتقنُوا الكتابةَ بلغتِهم دون أنْ يكونُوا مِنهم أو لأنّهم وَلَّدُوا في الكلامِ الشّعريّ أي اسْتحدثُوا فيه ما لم يَكنْ مِن معانِـي العرب وكلامِها.

2-         أعلامُ المحور:

- ١- بَشَّارٌ بْنُ بُرْدٍ [96ه-166ه]:

كُنيتُه 'أبو مُعَاذ'. وُلِدَ أعمًى. وهو فارسيُّ الأصل. نالَ حُظوةً لدى خلفاء بني أميّةَ وبني العبّاس معا. كتبَ في جميعِ الأغراض. كان مُـحِبّا للملذّات مُجاهِرا بالسّكْرِ وبالزّنَى. وكان بذيءَ اللّسانِ، فاحِشَ الهجاءِ، فصيحَ المدح، جَريءَ الغزلِ. عَشِقَ 'عَبْدَة'، وبها تغزَّل كثيرا. لكنْ تغزّل أيضا بحبيباتٍ أخريات، مِنهنّ: 'خُشَّاب' و'سَلْمَى' و'سُعْدَى'. ويُعبِّرُ غزلُه الـمُتّسمُ بالرّقةِ والبساطةِ والـجُرأةِ والحِواريّات عنْ شخصيّةٍ اجتماعيّة مرِحَة مُقبِلَةٍ على مُتَعِ الدّنيا تُؤثر الاستئناسَ في مجالس الغناء واللّهو. هجا الخليفةَ العبّاسيَّ 'المهديَّ'. فاتّهمه بالزّندقةِ لِيُقتَلَ بسبعينَ سوْطا وهو في سنِّ السّبعين.

- ٢- أبُو نَوَّاسٍ: الحَسَنُ بْنُ هَانِئ [145ه-199ه]:

شاعرٌ عربيُّ الأبِ فارسيُّ الأمِّ. يُعتَـــبَرُ أبو نَوّاس رائدَ الشّعرِ الخمريِّ في الأدبِ العربيِّ. إذ وصف أنواعَ الخمرِ وأوانيَها وشكلَها ومجالسَها وما بتلك المجالس مِن نُدْمانٍ ومظاهرِ لهوٍ وغناءٍ وطربٍ. معه صارتِ الخمريّاتُ غرضا شعريّا مُستقلاّ بذاته لا مجرَّدَ صفةٍ فَخْريّة أو مَدْحيّة. وهو ما أعطى لذلك الفنِّ الجديد أهميةً كبرى. وُصِف ابنُ هانِئٍ بكونِه خلِيعًا ومَاجِنًا لأنّه جَاهَرَ، في أغلبِ شعره، باتّخاذِ الخمرةِ مذهبًا في الحياة وأقْدَمَ على التّغزُّل بالمذكَّر. تابَ في آخرِ حياته واضِعا شِعرا في الزّهدِ وطلبِ الغُفران. اُختُلِف في وفاته إنْ كانتْ طبيعيّةً أم بسبب السّمِّ.

- ٣- أبُو العَتَاهِيَة: أبُو إِسْحَاقَ إسْمَاعِيلُ بْنُ القَاسِم [130ه-211ه]:

كان والدَاه مِن مَواليِ العرب [الـمَوْلَى: هو خَادِمٌ يعملُ عند العربِ المسلمينَ، يُفترَض أن يكون مُواليا مُطيعا لِـمَن كان سيّدَه ثمّ أعتقَه بعد الإسْلام]. عُرف أبُو إسحاق في شبابِه بالـمُجون واللّهوِ. وكتبَ في أغلبِ الأغراضِ مِن مَدحٍ وغزلِ. ولكنّه كفَّ عن ذلك، ومالَ إلى التّنسُّكِ والزُّهد، وانصرفَ عن ملذّاتِ الحياةِ الدّنيا إلى الانشِغالِ بخواطرِ الموت ودعوةِ النّاس إلى التّزوّد مِن دارِ الفناء (الدّنيا) إلى دارِ البقاء (الآخرة). اِعتبر حتميّةَ الموتِ حافزا كافيا للنّفور مِن الحياةِ الزّائلة. خصّصَ شعرَه، بعدَ أن قاطعَ الملذّات الدّنيويّة، للزّهدِ والحكمةِ. عنده صارَ الزّهدُ غرضا شعريّا تُخصَّص له قصائدُ كاملةٌ ومذهبا حياتيّا يُعلَّل ويُدْعَى إلى اعتناقه.

3-         مواطنُ التّجديد في شعر ق2ه:

يسعى محورُ "التّجديد في الشّعر العربيّ في القرنِ الثّاني للهجرة" إلى:

 - تَبيّنِ الأساليبِ الفنّيّة الـمُعتمَدة في أغراض: الغَزل (بشّار) والـخَمر (أبو نوّاس) والزُّهد (أبو العتاهية).

 - اِستخلاصِ أهمِّ مظاهر التّجديد الشّعريّ عندهمْ في المعاني واللّغةِ والصّورةِ والبنيةِ...

 - استجلاءِ مواقفِ الشّعراءِ الثّلاثةِ إزاء الحياة والموت: مذهبُ المتعة الحِسّيّة مع بشّار، مذهبُ الخمرِ مع أبي نوّاس، مذهبُ الزّهدِ مع أبي العتاهية.

 - البحثِ عن الصّلاتِ العميقةِ بين هذه التّجاربِ الشّعريّة المتنوّعة الّتي أنتجها المجتمعُ العبّاسيُّ ومَنَحَها الحقَّ في الوجودِ وفي النّموِّ رغمَ ما بينها مِن تعارُضٍ وتنافُر.

cd   عَــمـــــلاً مُـــوفَّــــقا  cd


ليست هناك تعليقات: